مجرد مقالات الإمام أبي الحسن الأشعري للأستاذ ابن فورك تحقيق : محمد فاروق هاشم PDF Download

هذا الكتاب ليس من تأليف الإمام الأشعري، بل هو من إملاء الأستاذ أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك، وقد أدرجناه ضمن تراث الإمام الأشعري لأنه يعبر عن اختيارا

 Mujarad maqalaat  imam abi Al Hassan Al ashrhi

مجرد مقالات الإمام أبي الحسن الأشعري للأستاذ ابن فورك تحقيق : محمد فاروق هاشم
مجرد مقالات الإمام أبي الحسن الأشعري للأستاذ ابن فورك تحقيق : محمد فاروق هاشم

هذا الكتاب ليس من تأليف الإمام الأشعري، بل هو من إملاء الأستاذ أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك، وقد أدرجناه ضمن تراث الإمام الأشعري لأنه يعبر عن اختيارات الإمام الأشعري وأقواله ومقالاته في المسألة الواحدة، وأكثر من ذلك فهو صادر عن خبير بآراء الإمام الأشعري وتطورها، مما يجعله أكثر استيعابا للمذهب الاشعري، ويجعلنا أكثر اطمئنانا لما قرره في هذا الكتاب، الذي يعد بحق كتابا في أصول المذهب الأشعري أكثر منه كتابا في بيان العقائد الإيمانية وتقريرها على طريقة الأشاعرة[34].

ونشير إلى أن “مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري” الذي اعتمد فيه ابن فورك على عدد مهم من مؤلفات الإمام الأشعري، لم تتم الإشارة فيه إلى كتاب “الإبانة عن أصول الديانة” وكذا “رسالة إلى أهل الثغر”، مما يجعلنا أمام صورة أخرى للمذهب الأشعري، أو المذهب الأشعري كما تصوره الإمام الأشعري نفسه وكما تصوره تلامذته من بعده، في ذكر بعض القضايا الدقيقة في علم الكلام.

وصفوة القول فإن النظر في تراث الإمام أبي الحسن الأشعري الذي وصل إلينا على قلته، يجعلنا نخلص إلى النتائج الآتية:

أولا:

أن النقاش حول تراث الإمام أبي الحسن الأشعري سيظل مفتوحا، ومن ثم من الصعوبة بمكان استخلاص آراء أشعرية نهائية انطلاقا من هذا التراث، وفي أحسن الأحوال، يمكن استخلاص صورتين مختلفتين للمذهب الأشعري.

ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى التفسير الكبير للإمام أبي الحسن الأشعري المسمى “المختزن”، هذا التفسير الذي اعتبره القاضي أبو بكر بن العربي المعافري (ت 543هـ) من أوسع التفاسير، وعليه عول القاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي (ت 415 هـ) في تفسيره المسمى “المحيط”، ويشير القاضي أبو بكر بن العربي إلى قصة إحراق هذا التفسير بإيعاز من الصاحب بن عباد (ت 385 هـ).

ثم يذكر اقاضي أبو بكر بن العربي أن النسخة التي احترقت هي النسخة الوحيدة التي كانت في دار الخلافة ببغداد، غير أنه يستدرك فيقول: إنه رأى الأستاذ الزاهد الإمام أبا بكر بن فورك (406ه) يحكي عن هذا التفسير، فهل وقع على بعضه أم أخذه من أفواه الرجال[35]؟

لكن كلام القاضي أبي بكر بن العربي عن تفسير الإمام أبي الحسن الاشعري فيه نوع من الالتباس عند التأمل، إذ كيف يأخذ القاضي عبد الجبار الهمذاني (ت 415 هـ) من تفسير الإمام الأشعري على الرغم من اختلافهما في العقيدة والمذهب؟ فالأول سني والثاني معتزلي. ثم إن تفسير الإمام أبي الحسن الأشعري هو عبارة عن نقض لتفسير أبي علي الجبائي المعتزلي. وقد نقل ابن عساكر الدمشقي أن الإمام الأشعري في تفسيره “لم يترك آية تعلق بها بدعي إلا أبطل تعلقه بها، وجعله حجة لأهل الحق”[36].

ويقول الإمام أبو الحسن الأشعري عن تفسيره “المختزن” وألفنا كتاب “تفسير القرآن” رددنا فيه على الجبائي والبلخي ما حرفا من تأويله[37].

ثم يشير ابن عساكر الدمشقي على أن اسم تفسير الإمام أبي الحسن الأشعري هو “تفسير القرآن والرد على من خالف البيان من أهل الإفك والبهتان”، نقض فيه ما حرفه الجبائي والبلخي في تأليفهما[38].

ويقول الإمام الأشعري عن تفسير أبي علي الجبائي المعتزلي: “ورأيت الجبائي ألف في تفسير القرآن كتابا أوله على خلاف ما أنزل الله عز وجل، وعلى لغة أهل قريته المعروفة بجبى، وليس من أهل اللسان الذي نزل به القرآن، وما روى في كتابه حرفا واحدا عن أحد من المفسرين، وإنما اعتمد على ما وسوس به صدره وشيطانه، ولولا أنه استغوى بكتابه كثيرا من العوام واستزل به عن الحق كثيرا من الطغام لم يكن لتشاغلي به وجه”[39].

والنتيجة التي نخلص إليها أن التفسير المسمى “المختزن” لو كان بين أيدينا اليوم لاستطعنا تكوين رأي نهائي حول موقف الإمام الأشعري من كثير من القضايا الكلامية.

ثانيا: 

أن الغرب الإسلامي لم يتأثر بتراث أبي الحسن الأشعري مباشرة، بل تأثر بتراث الباقلاني والجويني تحديدا، وكان الجويني الأكثر حضورا في هذا القطر من العالم الإسلامي، حيث “أملى في الطريقة كتاب “الشامل” وأوسع القول فيه، ثم لخصه في كتاب “الإرشاد” واتخذه الناس إماما لهم”، كما يقول عبد الرحمن ابن خلدون[40].

وأكثر من ذلك، فإن الإمام الجويني حاضر في أسانيد رواية علماء المغرب للمذهب الأشعري في سياق حديثهم عن سلسلة أصول الدين[41].

ثالثا:

 أن الإمام الجويني نفسه حصل له تطور في تقرير العقائد الإيمانية على الطريقة الأشعرية، ومن أشهر المسائل التي حصل له فيها تطور ملحوظ موقفه من تأويل النصوص المتشابهة التي وردت في الكتاب والسنة. ففي كتابه “الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد”، رأيناه يعمد إلى تأويل بعض الظواهر، لكنه في كتابه الموسوم ب “العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية” يصرح بعدم التأويل. يقول الإمام الجويني: وقد اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، وإجراؤها على موجب ما تبدره من أفهام أرباب اللسان منها، فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في آي الكتاب والسنة، وما يصح من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وذهب أئمة السلف الى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى. والذي نرتضيه رأيا، وندين الله به عقلا: اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك: أن اجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة[42].

وهذا النص كثيرا ما يستشهد به الخطاب السلفي المعاصر في نطاق تهويل بعض المواقف الكلامية من جهة، والتدليل على أن الإمام الجويني قد تراجع عن أشعريته من جهة ثانية، وهي دعوى غير صحيحة، لأن الإمام الجويني رفض تأويل النصوص المتشابهة فقط، واختار لغة التفويض، كما هي طريقة السلف الصالح، لكنه لم يتراجع البتة عن طريقة الأشاعرة في تقرير العقائد الإسلامية، وكيف يتراجع عنها وهي من جملة ما يعتقده عامة أهل السنة والجماعة.

رابعا:

لقد خص الإمام الأشعري المعتزلة بالنصيب الأوفر من نشاطه العلمي، حيث إن معظم كتبه يرد فيها على شيوخ الاعتزال ويحلل خطابهم تحليلا علميا يكشف من خلاله تمويههم وشبههم، كما أنه لم يكن أستاذا في العقيدة فقط، بل كان مؤرخا للعقائد من الصنف الأول أيضا. كما كانت له قدم راسخة في علوم الشريعة[43].

وبعد، فهذه وجهة نظر في تراث الإمام أبي الحسن الأشعري، مؤسس المذهب، الذي مضى عليه أحد عشر قرنا، ولا يزال خصبا يشد أنظار الباحثين والمهتمين بالدراسات الكلامية، آملين أن ينهض الباحثون في العالم الإسلامي للكشف عن جوانب أخرى من هذا التراث الإسلامي العظيم.

الهوامش

[34] طبع كتاب مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، من إملاء ابن فورك بتحقيق المستشرق دانيال جيماريه، طبعة دار الشروق، بيروت.

[35] العواصم من القواصم، تحقيق د. عمار الطالبي، ص :72، دار التراث ، القاهرة، الطبعة الأولى 1997.

[36] تبيين كذب المفتري، ص: 117

[37] تبيين كذب المفتري، ص: 134

[38] تبيين كذب المفتري، ص:136

[39] تبيين كذب المفتري، ص: 138

[40] مقدمة ابن خلدون ج3 ص :976، تحقيق د. عبد الوحد وافي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع،2004.إننا وإن كنا نتفق مع ابن خلدون فيما ذهب إليه في اعتماد الإمام الجويني إماما في العقائد، ولكن الامر الذي نختلف معه فيه هو اعتبار كتاب “الإرشاد” مجرد تلخيص لكتابه “الشامل”، فقد وردت إشارات صريحة في “الإرشاد” تفيد بأن كتاب “الشمائل” تأخر تأليفه عن “الإرشاد”، يقول الجويني: والذي عندي أن اجماع علماء سائر الأمم في الأحكام على موجب ما طردناه يوجب العلم جريا على مستقر العادة، وهذا حسن بالغ، وسنبسطه في “الشامل”، انظر “الإرشاد” ص:418، تحقيق د. محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد الحميد، مكتبة الخانجي، مصر. وقد فات المحققان هذه المسألة متابعة وتقليدا البن خلدون فاعتبرا الإرشاد مجرد تلخيص للشامل، انظر مقدمة تحقيق كتاب الإرشاد.

[41] صلة الخلف بموصول السلف، محمد بن سليمان الروداني، ص:465، تحقيق د. محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1988.

[42] العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية، للجويني، ص:32، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث،1992.

 [43] الأشعري أبو الحسن، د.حمودة غرابة، ص:71، مكتبة الخانجي، مصر، بدون تاريخ.

إرسال تعليق

Type Your Feedback